الاثنين، 18 مارس 2013

لابد أن تنجح في امتحانات الله حتى تكون قويا

المهم أن ينجح المؤمن في كل هذه الابتلاءات ليواجه الحياة صلبا 

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155].
خُلق الإنسان في كبد.. هكذا يصفنا الله تعالى في كتابه الكريم، والأصل أن الدنيا هي دار الابتلاءات، وفي هذه الآية الكريمة رصد لعدد من الابتلاءات التي يختبر الله تعالى بها عباده.

ففي تفسير ابن كثير ذكر أن قوله تعالى: "ولنبلونكم" أي ولنختبرنكم يا أمة محمد واللام لجواب القسم تقديره والله لنبلونكم، والابتلاء من الله لإظهار المطيع من العاصي لا ليعلم شيئا لم يكن عالما به سبحانه.

أما "بشيء من الخوف" فيعني خوف العدو، "والجوع" يعني القحط، "ونقص من الأموال" يشير إلى  خسران وهلاك هذه الأموال.

أما نقص الأنفس فيعني بالقتل والموت وقيل بالمرض والشيب، والثمرات يعني الجوائح في الثمار، وحكي عن الشافعي أنه قال: الخوف خوف الله تعالى، والجوع صيام رمضان، ونقص من الأموال أداء الزكاة والصدقات، والأنفس الأمراض، والثمرات موت الأولاد؛ لأن ولد الرجل ثمرة قلبه.

ويقول الشيخ الشعراوي -رحمة الله عليه- إنه يجب أن نعرف أن مجرد الابتلاء ليس شرا، ولكن الشر هو أن تسقط في الابتلاء، فكل ابتلاء هو اختبار وامتحان.

والحق سبحانه قد ذكر لنا قبل هذه الآية قمة الابتلاءات؛ وهي أن ينال الإنسان الاستشهاد في سبيل الله، وذكر ثواب الشهيد، وهو البقاء على هيئة من الحياة عند ربه، فقمة الابتلاء -في حدود إدراكنا- هي فقد الحياة، وأراد الحق أن يعطي المؤمنين مناعة فيما دون الحياة، مناعة من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وكل ما دون حياة الفرد هو أمر ترَفي بالنسبة لفقد الحياة نفسها، فمن لم يفقد حياته فستأتي له ابتلاءات فيما دون حياته.

وأول تلك الابتلاءات هو الخوف، والخوف هو انزعاج النفس وعدم اطمئنانها من توقع شيء ضارّ.

والذي يخاف من الخوف يقال له: إن خوفك وانزعاجك لن يمنع الخوف، فآفة الناس أنهم يعيشون في المصائب قبل وقوعها، وهم بذلك يطيلون على أنفسهم أمد المصائب، إن المصيبة قد تأتي -مثلا- بعد شهر، فلماذا تطيل من عمر المصيبة بالتوجس منها والرهبة من مواجهتها؟ إنك لو تركتها إلى أن تقع تكون قد قصّرت مسافتها، ولك أن تعرف أن الحق -سبحانه وتعالى- ساعة تأتي المصيبة فهو برحمته يُنزل معها اللطف، فكأنك إن عشت في المصيبة قبل أن تقع، فأنت تعيش في المصيبة وحدها معزولة عن اللطف المصاحب لها، لكن لو ظللت صابراً محتسباً قادراً على مواجهة أي أمر صعب، فأنت لن تعيش في المصيبة دون اللطف.

أما الإبتلاء الثاني فهو الجوع وهو شهوة غالبة إلى الطعام، وهو ضروري لاستبقاء الحياة، ومن رحمة الحق سبحانه وتعالى بالإنسان يحتفظ بالغذاء الزائد على صورة شحم ولحم، وحين يجوع ولا يجد طعاماً، فهو يأخذ من هذا الشحم، فإذا انتهى الشحم، فهو يأخذ من اللحم، وإذا انتهى اللحم يأخذ الجسم غذاءه من العظم، من أجل أن يستبقي الإنسان الحياة.

إذن فابتلاء الجوع هو أن تصبر على الضروري من الطعام الذي يقيم لك الحياة، وأنت تأكله كوقود لحركة الحياة، ولا تأكله للذة، وحين يقتات الإنسان ليضمن لنفسه وقود الحياة فأي طعام يكفيه.. ولذلك شرع الله الصوم لنصبر على أذى الجوع؛ لأن المؤمنين قد تضطرهم معركة ما لأن يعيشوا فيها ساعات طويلة دون طعام، فإن لم يكونوا مدرّبين على تحمّل قسط من الجوع فسيخورون ويتعبون، إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يعد المؤمن إعدادا كافيا كاملا، فالمؤمن يواجه الخوف فيستعدّ، ويواجه الجوع فيأخذ من قوت الحياة بقدر الضرورة.

وأما الابتلاء الثالث وهو نقص الأموال فمصدره أن المؤمنين سينشغلون عن حياتهم بأمر الدعوة، وإذا ما شغلوا عن حركة الحياة لمواجهة العدو فسيضطرون إلى التضحية بحركة الحياة التي تنتج المال ولذلك تنقص الأموال؛ لأن حركتهم في الحياة توجّهت إلى مقاومة خصوم الله، وكذلك سيواجهون العدو مقاتلين؛ وقد يستشهد منهم عدد.

وأخيرا يواجهون نقص الثمرات، والثمرات هي الغاية من كل عمل، والحق سبحانه وتعالى حين يعدّنا هذا الإعداد، فإذا نجحنا فيه تكون لنا البشرى؛ لأننا صبرنا على كل هذه المنغّصات: صبر على الخوف، صبر على الجوع، وصبر على نقص الأموال، وصبر على نقص الأنفس، وصبر على نقص الثمرات.

إذن فالمهم أن ينجح المؤمن في كل هذه الابتلاءات؛ حتى يواجه الحياة صلبا؛ ويواجه الحياة قويا، ويعلم أن الحياة معبر، ولا يشغله المعبر عن الغاية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق